ذئــــــب وحـــــــيد

كان الضوء يأتى من خلفه، خافتا ً ازرق َ وسط َ الظلام المحيط به ، يضفى على المكان سحرا واثارة .
جالسا ً امام الشاشة المسطحة , واصابعه تتسارع على لوحة المفاتيح , وذهنه يومض كالبرق , وذاكرته تستدعى كل المعانى والكلمات , التى تساعده فى الوصول لهدفه المنشود.
وهاهو الآن , على وشك التقاط الثمرة , التى تكاد ان تسقط .
آآآآه شهورٌ عديدة وهو يغزل الكلمات , ويستنطق المعانى , وينحت الالفاظ فى صبر دوؤب ، كذئب ٍ يربضُ بين الثلوج , فى انتظار لحظة الانقضاض على فريسته .
والآن.... الآن ... فقط حانت اللحظة، الفريسة منهكة الانفاس وصوت لهاثها يعلو، بعد ان حاصرتها الكلمات الناعمة , والالفاظ الرقيقة، التى ماسمعت مثلها من قبل , اخذها الخيال هنيهة، حتى سنين مراهقتها الاولى، لم تسمع مثل هذا الكلام العذب , والمتدفق بلا حدود , والذى كان يهوى برقة على مجامع روحها , التواقة والعطشى لتلك العذوبة.
كانت تنتظر قطرات... فغمرها شلال , قاومت , صارعت , تشبثت بكل ماتملك من قوة شهورا عديدة، تجلس اسيرة تلك الشاشة السحرية ، تقرأ تلك الكلمات العذبة ، وتستمع حينا لهذا الصوت الحانى , الذى كان يدغدغ حواسها، ويزلزلها بااالكامل وكانت ترد عليه بااالكتابة , حسبما اتفقت معه منذ البداية، وقت طويل مضى لم ترد له ان ينتهى، فقد كانت تستمرئه حتى الثمالة ..
جالسا ً .... ترف ُ على شفتيه ابتسامة ُ النصر , ونشوة الظفر، والرغبة تعوى فى صدره ، الذئب بداخله يركض فرحا , وعيناه تبرق ، فقد وعدته بعد هذه الشهور العديدة , بانها سوف تفتح الكاميرا، سيراها للمرة الاولى ......
لكن...... ليس على وجهها ، ضحك فى نفسه , كان كل مايهمه هو هذا الجسد الذى اقض مضجعة، وجعله يبدع كل هذا الكلام , الذى حطم حصون هذا العقل .
والليلة ....... سوف ترقص له رقصة سالومى , والغلالات السبع ،اخبرته ان الغلالة الاخيرة ستكون ارق مما يتصور خياله، لذا لن تنزعها فى رقصها المثير، سالها : ولماذا سالومى ؟؟؟؟ اجابته : لآن كلماتهِ , كانت كالسيف الذى احتز رأس المعمدان، وهو نفس السيف , الذى احتز مابقى لها من مقاومة، اثاره المعنى اكثر , ربضَ فى ظلام ِ الصالةِ الواسعةِ , يلفح ُ وجهه ُ هواء ٌ بارد ٌ يصدرُ بنعومة ٍ من جهاز التكييف، يمج ُ انفاس السيجارة , وينفث ُ دخانَها فى هدوء، حلقاتٌ متتابعة ..... حين انتهت , كانَ فى اوج ِ متعته ِ , يَتَجَرَعُ كأسَ نصره حتى اخر قطرة ، فقد اثبت لنفسه انه مازال قادرا على هذا الجنون، اطفأ الجهاز , وبقايا النشوةِ مازالتْ تَجْتَاحُ كَيانَه ، فتح بابَ غُرْفَةِ النوم ، أيْقَظَ زوجتَه ُبرقةٍ شديدةٍ ، طبعَ على وجهها قبلة ، طالبا ً منها انْ تُساعِدَهُ فى النزول من على كرسيه المتحرك، ِليْدلِفَ بجانبها على الفراش ، أخَذَتْهُ فى احضانها ، أحْكَمَت عليه الغطاء، ولمْ تَتْرُكه الا بعد أن استكانت انفاسه , وغط فى نوم عميق , وعلى شفتيه...... تلك الابتسامة السعيدة , انسلت من جانبه فى هدوء ، وهى تَسْحَبُ غَلالة ً رقيقة ً من تحت الوسادة، وتضعها فى خزنتها الخاصة باالدولاب، وتُغْلِقُ عليها باالمفتاح جيداً، وَتَنْدَسُ بجانبه فى الفراش ، وعلى شفتيها ابتسامة رضا .......

عندما تسطع عيناك كقنديل نحاسي،

على باب ولي من دمشق

أفرش السجادة التبريز في الأرض وأدعو للصلاه..

وأنادي، ودموعي فوق خدي: مدد

يا وحيدا.. يا أحد..

أعطني القوة كي أفنى بمحبوبي،

وخذ كل حياتي"تجليات صوفية ... نزار قبانى "

شكراااااااا

:تشرفت بمرورك: