خيانة .. أمانة .. هل تجتمعان ؟
كثيرا ما نغرق في دوامة من اللطف والبراءة.. ثم فجأة.. نكتشف أننا خدعنا.. أنّ الأمانة قد تمّت خيانتها.. نصمت.. نحتار.. تدمع الأعين.. ثم ماذا؟ نحاول أن نبحث عن حل جذري.. سريع.. لكن، دون جدوى..!!
لا أدري لماذا الآن بالذات أتذكر تلك الحكاية التي عرضتها إحدى حلقات المسلسل السوري " مرايا " - أيام كنت أجلس أمام التلفاز :) -.. حين ائتمن أحد الحُجّاج بائعا على بعض المجوهرات..وعندما عاد الحاج طالبا الوديعة..تنكّر له البائع واتّهمه بالإفتراء عليه.. أما الرجل فما كان منه إلا أن توجه للسلطان الذي استعمل سياسة الإبهار والماديات مع ذلك البائع.. وبعد أن رأى البائع أن الرجل الذي افترى عليه صاحب مقام عالٍ عند السلطان اعترف بأنه "نسي" أنّ الأمانة كانت عنده!!
~ خيانة وأمانة.. هل تجتمعان؟؟
صعب جدا أن تعتبر نفسك إنسانا مثاليا تعامل الأشخاص حسب هذا المبدأ.. ثم يكتشف أحدهم أنّك قمة في التواطؤ والخيانة!
الأمانة ليست فقط في المال.. بل هي أنواع واحدها أصعب من الآخر.. أذكر منها:
1. الدين أمانة.. كلّ واحد منا مؤتمن على دينه والتمسّك فيه.. ليس أن تكون في الهوية مسلما يعني أنك بالفعل كذلك.. أنت مؤتمن على إثبات هذا.. مؤتمن على العمل والسير طوال حياتك وفي كل مناهجك بحسب هذا الدين.. الذي نسبت نفسك إليه.. فقد قال تعالى: (( إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أبين حملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا ))..
2. كل نعم الله عليك أمانة.. أنظر من حولك.. تفكر في نعم الله عليك.. أعطاك السمع والبصر .. أعطاك اليدين والرجلين.. أعطاك المسكن والمأكل.. أعطاك المال.. أعطاك أشخاصا يهتمون لأمرك.. أعطاك قلوبا تسعى لتنير دروبك.. أعطاك من رحمته الشيء الكثير.. !!
فهل من العدل في شيء أن لا تحافظ على أمانته؟ أن تستعملها بما لا يرضيه؟؟ أن تكذب؟؟ أن تسرق؟؟ أن تزني؟؟ أن تأكل حراما؟؟ أن تحب لأجل الشهوة؟؟ أن تحبّ لتخدع؟؟ أن تبتسم لتقتل؟؟!!
3. العرض أمانة.. أعطى الله كل واحد منا الحق في صيانة نفسه وعفّتها.. أعطى كل امرأة حقا في الزواج وكل رجل كذلك.. أليس حريّ بالزوج أن يحافظ على زوجته؟ وبالزوجة أن تحافظ على زوجها؟؟ أليس حريّ بالأخ أن يصون عرض أخته؟؟ أليس حريّ بالفتاة أن تصون عرضها.. فهو من حق الله عليها ومن حق نفسها عليها ومن حق أبيها وأمها عليها؟!!
4. الأبناء أمانة.. أيّها الأب الفاضل.. أين أنت من أبنائك؟؟ أيّتها الأم الكريمة.. أين أنتِ من أبنائك؟؟ هل تعطيهم حقّهم من نفسكَِ؟؟ هل كنتَِ لهم الراعي المسؤول المربي؟؟ هل كنتَِ لهم منبع الأمان والحنان؟؟ هل أدّيت أمانتك؟؟ أين أنت منها؟!
5. السر أمانة.. فما أقبح أن يفشي أحدهم إليك بسرّه.. يفضفض إليك.. ثم ما يلبث أن يغيب قليلا ويعود.. حتى يجد أنّ "سرّه" أصبح خبر السّاعة!!
صعب جدا أن تكتشف متأخّرا أنّ الذي أمامك لا يحترم حرمة ولا يقدّر أوامر الله.. أن تكتشف متأخرا.. دناءة نفسه وأنانيّتها..!!
6. العمل أمانة.. وأقبح خيانة أن توكل الأمور إلى غير أهلها.. أن يسند عمل لغير صاحبه.. أن تعمل دون إخلاص..أن لا يكون عملك خالصا لوجه الله.. أن يكون في ذهنك الدنيا وأهلها .. النفس وحاجتها.. قبل أن يكون الله نصب عينيك وفي قلبك!! ولنكون قريبين من عالم النت.. مثلا ..نقل المواضيع بغير ذكر صاحبها.. وقيسوا على هذا المنوال..!!
7. الوديعة أمانة.. فويل لمن غرّته الدنيا وأخذته شهوة المال فما عاد يحفظ حتى أموال الغير.. الوديعة ليست فقط أن يترك عندك الآخر شيئا ويأتمنك عليه.. بل يمكنها أن تكون أموال العباد وأجرة عملهم.. فكثير من العمال يتذمرون من أجرتهم الناقصة أو من عدم أخذ أجورهم أو تأخرها.. كذلك.. أحيانا يخطئ البائع في حساب ثمن المشتريات فحريّ بك أن تعود وترجع له ما زاد.. وحري به أن يرجع لك ما نقص!!
~ خيانة وأمانة.. هل تجتمعان؟؟
كل حياتنا أمانة.. عمرنا أمانة.. وقتنا أمانة.. لذا.. علينا أن نحافظ على أنفسنا وعلى أعمارنا وأوقاتنا بما يرضي الله عنا.. فهو عزّ وجل الحكم العدل.. هو الذي أمرنا بالمحافظة على الحقوق فيما بيننا (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) .. لا أحد يرضى بالظلم.. وبأن يخونه أحد.. فهل ترضون بخيانة أمانات الله؟؟ (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون ) ..!!
"منافق أنت".. لا أحد يرضى بأن ينادى بهذا اللقب.. لكن، هو ليس قولي بل قول رسول الله صلى الله عليه وسلّم: " آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان"..!!
وأنت فقط.. تختار من تكون!!
~ خيانة وأمانة.. هل تجتمعان؟؟
ما كنت أريد كتابة هذه الفقرة.. لكن.. ضرورة هي..
الأرض أمانة.. الوطن أمانة.. فأين أنتم منها يا عرب؟؟!!
حكامنا.. الخوان بيننا.. جميعنا.. أين نحن منها؟؟!!
دمتم بحفظ الله ورعايته..
والسلام ..